Salam Alaikom


السبت، 13 نوفمبر 2010


بسم لله الرحمن الرحيم

الإلحاد على الطريقة السعودية –  و سبب تشعب المسلمين في السعودية الى خانات مختلفة و بعيدة ((الاسلام على المزاج السعودي ))
فلسفة الإلحاد فلسفة بالغة القدم متطورة الاتجاهات وبالغة التعقيد. واكبت هذه الفلسفة تبلور جميع الديانات السماوية وغيرالسماوية ولم ينجح أي دين في الحد منها أو تأخير تطورها الفكري. وعلى اختلاف المدارس الفلسفية لفكر الإلحاد واللادينية، تطغى مدرسة على أخرى مع تطور الإرث المعرفي الإنساني وتبلور نظريات تفكير حديثة لم توجد من قبل. ففكر تشارلز داروين وسع الطريق للمدرسة الإلحادية القائمة على الأدلة العلمية البحتة لدحض فكرة الخلق الإلهي، وفكر كيركيجارد ونيتشه فتح الطريق لمدرسة وجودية تنامت لديها الأدلة المنطقية (الوجودية) على عدم الحاجة للإله كأساس لدليل عدم وجوده. وشهدت المائة عام السابقة فيلسوفين وجوديين مهمين، رسل وسارتر، قاما ببلورة المدرسة الوجودية العلمية والتي تخلط المدرستين الأكثر تواجدا على الساحة الفلسفية الإلحادية. وهانحن اليوم نرى تراجعا كبيرا للمدرسة الفلسفية الوجودية وتنامي الاعتماد على الأدلة العلمية لدحض وجود الآلهة كما يفعل ريتشارد داوكينز عالم الأحياء، وريتشارد فيمان أستاذ الفيزياء النظرية، وستيفن هوكينج أستاذ فيزياء الفضاء. هذه الاتجاهات العقلية والعلمية الفلسفية لدعم فك
فكرة غياب الإله تشكل الأساس الحالي الثابت للفكر الإلحادي. أما باقي الاتجاهات في فكر الإلحاد والتي يتزعمها أقطاب الشيوعية ومؤسسيها على سبيل المثال، والمدرسة التفكيكية لتاريخ الأديان، فهي أيضا اتجاهات ذات شعبية كبيرة في المجتمع الملحد ولكنها ليست بقوة وصلابة المدرسة الوجودية العلمية الحديثة والتي تنتج الغنوصية كمنهج تفكير قبل إنتاجها الإلحاد كنتيجة مسبقة الصنع كما في الفكر الشيوعي التقليدي عل سبيل المثال.

المهم، أن المدرسة الفلسفية الغنوصية والإلحادية، هي مدرسة عقلية بالدرجة الأولى سواء ارتكزت على المنطق أو الأدلة العلمية أو الأدلة التاريخية. هي مدرسة مهمة جدا في تاريخ البشرية، لأنها تعكس تطورا هائلا في أسلوب التفكير الإنساني ومقدرته على تحدي معتقداته وموروثاته الأكثر تحديا (الدين والإله) كما أن هذه المدرسة كانت وما زالت أهم مدرسة خادمة للفكر الديني وفلسفة الألوهية. إذ أن الإنتاج الغزير للفكر والتراث الإلحادي قابله تحرك هائل في الاتجاه المعاكس أثرى التراث الديني بشكل ضخم وأثرى النظرية الدينية وفلسفة الألوهية. ويصح أن نقول أن المدرسة الإلحادية هي أهم عوامل تطور الفكر الفلسفي الديني على مدى العصور. والأمثلة على ذلك كبيرة وكثيرة ومن الصعب حصرها. ولكن رسائل توما الإكويني تقف شاهدا على مقدار التطور الفكري الديني لدى الكنيسة في عصور الظلمة، والتي أججها الفكر الإلحادي الدارج في ذلك الزمن. وفي الفلسفة الدينية الإسلامية وفلسفة الإلوهية لدى المسلمين برز ابن سينا، وابن رشد، وأخوان الصفا، وابن عربي، وابن رشد، وملا صدرا الشيرازي، وكان إنتاجهم يحوي فكرا جديدا ومنطقا مغايرا فرضه عليهم الفكر الغنوصي والإلحادي الذي كانوا يعاصرونه. واليوم، تكفي الإشارة إلى شروح وتعليقات الشهيد المطهري على منظومة السبزواري كتحفة فلسفية في الرد على المدرسة الفلسفية الوجودية الرائجة منذ القرن السابق.

المئات من فلاسفة مدرسة الإلحاد التي تحضرني أسمائهم أثروا التراث الإنساني بشكل مباشر وعكسي أيضا، بإنتاج منهج جديد للتفكير وإنتاج مدرسة مضادة متطورة في الجانب الديني على مختلف المذاهب والأديان.

ارتبط الإلحاد في تاريخ الفكر البشري دائما بالنقد المغاير للمألوف، والثائر على الموروثات الاجتماعية والدينية، وخلد التاريخ الإنساني أسماء لامعة لمفكرين عظماء صادف أن يكونوا منتمين إلى فكر الإلحاد قناعة وليس اتباعا. فمن زنادقة العصر الأموي والعباسي والذي يلمع بينهم بن المقفع على سبيل المثال وصولا إلى بيرتراند رسل ونعوم تشومسكي اليوم، بدا للبعض بأن الإلحاد قد يكون طريقا إلى "الخلود" الفكري، وأن رفض الآلهة بداية لطريق المعرفة والتفكير. كما أن سوء فهم المدرسة الفلسفية الإلحادية أدى إلى الخلط بينها وبين انعدام القوانين والفوضوية وانعدام الأخلاق. وأصبح الإلحاد موضة شائعة في أوروبا في أواسط القرن الماضي، بين أشباه المثقفين محاولة منهم لرفع مكانتهم في هرم التفكير النقدي، وبين الشباب المنكب على الثورة الجنسية في أوروبا وأمريكا كنوع من رفض السلطة الدينية والإلهية. وتنامت الظاهرة بشكل كبير بالذات في أوساط الشباب وتكونت أكليشيهات الستينات التي طبعت على الأقمصة والسيارات وعلى كل شيء من قبيل "God is Dead"، "God is not cool"، "We are God" وغيرها من الشعارات الثورية ضد الإله والتي لم تكن في حقيقتها تمثل إلا ثورة ضد القوانين الاجتماعية. وسرعان ما انتهت الموضة واختفت الأكليشيهات من اللغة الدارجة وأصبح الاتجاه العارم اليوم لملحدي السبعينات وما بعدها ينصب في عدم الحاجة للإله لا محاولة رفض فكرة وجوده. في نهاية المطاف تعلم الكثير أن فكرة الإلحاد لدى الإنسان إما أن تكون منتهى البحث عن الدليل والتفكير المتعمق، أو أن تكون منتهى الغباء والتبعية، ولا يوجد بين هذين فريق وسط.

وطبعا، كما هي الحال دائما عند دول التخلف، والتي تستورد البضاعة الفاسدة والمنتجات البالية وغير الصالحة للاستخدام، أو أكثر من ذلك استيراد ما لا نعرف استخدامه، ها هي اليوم موضة الإلحاد تتفشى تدريجيا في مجتمعاتنا العربية. وهي ما عادت حكرا على تيارات معينة قديمة واكبت انتشار الفكر الإلحادي على مستوى العالم، إنما أصبحت الموضة تتفشى بين الشباب الذين لم يقرئوا يوما كتابا، أي كتاب، ولم يفكروا في وجدود الله من الجانب النظري بل ورثوا الإيمان به وراثة ليس إلا. وهذه الموضة من الصعب جدا قراءتها وتفسيرها إذ أن المتأثرين بها كما يبدو ينتمون لتيارات مختلفة، فيهم من تربى في أحضان المدرسة السلفية الضيقة، وفيهم من كان تكفيريا شنيعا لا يؤمن بأي فكر يغاير فكره، وفيهم من لم يكن لله وجود في حياته أصلا كي يفكر في الإيمان به أو رفض وجوده. كما أن الكليشيهات اللغوية التي تنتجها موضة الإلحاد في بلداننا لا تنصب في رفض الإله فقط وإنما بالتشنيع عليه وسبه وسب المؤمنين به وقلة الأدب، وهو مما لا يلاحظ وجوده حتى في أكثر الثقافات انفتاحا وحرية.

كما يبدوا أن موضة الإلحاد المتفشية اليوم بين من يعيشون حولنا ذات أبعاد مختلفة قليلا عن موضة الإلحاد في أوروبا في أواسط القرن السابق. فالملحد الجديد عندنا لا يرفض الله ويستبعد وجوده ويسبه ويشنع عليه كنوع من التمرد على الثقافة الدارجة وكنوع من رفض القوانين والأعراف الاجتماعية فقط. ولكن اللغة الشنيعة المستخدمة تجاه الذات الإلهية، تعكس غضبا حقيقيا تجاه الله ومحاولة يائسة للحط من قدره بكل الطرق الممكنة في اللغة الدارجة والشعر الحديث والفعاليات الاجتماعية التي تأخذ من طابع "إغضاب الله" نمطا خاصا فيها تماما كما يفعل (زكي النداوي) شخصية عبد الرحمن منيف في رواية (حين تركنا الجسر) عندما يقوم بقتل الحيوانات في الغابة كي يغضب الله الذي لا يرضى بقتل الأرواح بدون سبب. أي أن مدعي الإلحاد الجدد، هم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن الإلحاد، ولا يفهمون الغنوصية، إذ أن الله ذو وجود أصيل في عقولهم كما يبدوا من النمط اللغوي المستخدم ولكنهم في الحقيقة غاضبون يحاولون الانتقام من الله وإغضابه!!

وكما يدعي متبعوا الموضة الجديدة الإلحاد، يدعون أيضا معرفتهم بأدبيات الإلحاد على مدى الثلاثة قرون السابقة، وذلك لإعطاء أنفسهم مكانة المفكر العميق وصاحب الثقافة الواسعة. فيحفظون بضعة أسماء لامعة وبعض المقولات الشهيرة لأناس مثل نيتشه وجان جاك روسو ربما قرءوها في أحد الكتب الموسوعية أو على صفحات الإنترنت لإشهارها وقت الحاجة عندما يقعون في شرك المفكر الحقيقي والمثقف واسع الإطلاع. ولأن ما بني على باطل ثقافي فهو باطل، لا يستطيع الغالبية العظمى من متبعي الموضة استحضار أدبيات شهيرة وذلك لأنهم لم يطلعوا عليها، ولا يعرفون عنها سوى القشور. وبدل أن ينتج لدينا مدرسة فلسفية إلحادية تثري الثقافة الدينية المحلية وتحركها من سكونها، نشاهد اليوم ولادة جيل جديد يدعي الإلحاد بعقلية طالب في المدرسة الابتدائية غضب من أبيه لأنه قام بضربه أو لم يشتري له لعبة ما.

إذا، لنكن دقيقين، ولنقل بأن لا توجد موضة من الإلحاد في عالمنا العربي تتفشى بين العامة من الناس وأشباه المثقفين. إنما ما نشهده هو ثورة ضد الله، وغضب موجه تجاه الله، وشتائم ضد الله من مجموعة أطفال لا يعرفون عن الإلحاد إلا اسمه ولا يعرفون عن أدبياته حتى عناوينها. والإلحاد لم يكن يوما أبدا مقترنا بقلة الأدب أو استخدام الألفاظ النابية ضد الذات الإلهية أو الأنبياء. وأدبيات الإلحاد الشهيرة تشهد على أن المنظار الفلسفي هو منظار نقدي علمي للفكر الديني ينبع من الرغبة في البحث عن الحقيقة، وليس ردة فعل غاضبة على الله أو رسله. إذ لا شيء شخصي بين أرنست نايجل ومايكل مارتن وجان بول سارتر وبين الله، وإنما طبيعة أدبياتهم تعكس مشوارا منطقيا وفلسفيا للبحث عن الحقيقة بغض النظر عن خطأ أو صحة النتائج التي وصلوا إليها.

نحن هنا نصل إلى نقطة مهمة جدا في تاريخ الفكر الديني الإسلامي بالتحديد. ففي حين استفاد الفلاسفة الدينيون من المنطق النقدي للفكر الإلحادي وأدوات الفكر الفلسفي الحديث لإثبات وجود الله ودحض دعاوى المدرسة الإلحادية على مر التاريخ، اليوم نلاحظ انقلابا حادا جدا في هذه العلاقة. ففي حين كان الفكر الفلسفي الديني ملاذا للتائهين في فكر الإلحاد على مر العصور، اليوم يصبح الفكر الإلحادي ملاذا للهاربين من المدرسة الدينية وفلسفة الألوهية! وهذا المنعطف الخطير هو للأسف ناتج مباشر لممارسات رجال الدين أنفسهم والمجتمع الديني الإسلامي ككل.

فالانفلات الأخلاقي والخروج عن الأعراف الاجتماعية في أواسط القرن السابق في أوروبا وأمريكا كان يحمل شعار (رفض القوانين) كموضوع أساسي، ورفض الدين كأمر ثانوي. إذ أن علمنة الدول الأوروبية وأمريكا حال دون إلصاق القوانين البشرية بالشارع المقدس. فكان بالتالي الغضب ضد القانون هو غضب ضد واضعي القانون والذين لا يرجعون أسباب قوانينهم إلى اعتبارات دينية توصلها إلى مقصد الشارع المقدس. أما رفض الإله، فكان أمرا ثانويا إذ أن الغالبية العظمى من السكان (الأبوين بالتحديد) في ذلك الزمن كانوا ما زالوا مؤمنين يحاولون العيش في جو من الفضيلة التي يقتضيها الدين، فكان الإلحاد صورة للخروج من عرف العائلة والتحرر من أحكام الأبوين.

أما في بلد مثل السعودية على سبيل المثال، فإن ربط السياسة الداخلية، والقوانين، والأعراف الاجتماعية بالدين السلفي القمعي وترسيخ مبدأ التحريم الإلهي على كل شيء يفعله الناس بالإضافة إلى صرامة الحكومة في التعامل مع من يرفض القوانين المحلية والحكم الدكتاتوري أدى بطبيعة الحال عند البعض من الناس إلى الغضب على الله الذي تتخذه المؤسسة السياسية والدينية ذريعة لكل ممنوع. وردة الفعل هذه مفهومة ومتوقعة في ظل تصوير الله داخل المؤسسة الدينية السعودية كدكتاتور فوق البشر يمنعهم من كل شيء حتى أدنى حقوقهم. أي أن الدين اليوم أضحى أهم منتج للإلحاد وأهم مؤجج للغضب ضد الله! وكما هو تعاطي المخدرات على سبيل المثال ناتج من (ضغط القرناء – Peer Pressure) أصبح اليوم القرناء يضغطون على بعضهم لإنتاج مسلسلات جديدة في الحط من الله والدين. وأرجو أن لا يتم الخلط بين النزعة الشديدة لد بعض كبار الكتاب والأعلام في نقد فكر رجال الدين والفهم الخاطئ للدين وبين الفئة التي أتحدث عنها من الجهلة.

الأمر الآخر أن هذا الغضب على الله وعلى الدين أضحى محببا ومرغوبا لدى شريحة كبيرة من المجتمع. وأصبح الثمن المتوقع للألقاب اللامعة (مثقف، متحرر، ليبرالي، مفكر، طبيعي!، تقدمي) هو التعريض بالذات الإلهية أو النيل من النبي أو القران أو ما من شأنه أن يحط من قدر الله بأي شكل من الأشكال. متى، في تاريخ الإنسان، كان السب والشتم وقلة الأدب، واجترار الأفكار المعلبة سبيلا للشهرة والبهرجة الاجتماعية ومفتاحا لبوابة الثقافة؟!! ولماذا لا توجد مثل هذه الصور القبيحة في المجتمعات التي أنتجت الفلسفة الإلحادية على اختلاف اتجاهاتها؟ متى كان سب الدين والآلهة والأنبياء دليلا على التفكير والثقافة؟ هذه ظاهرة خطيرة لا تدل إلا على ضحالة التفكير والإفلاس الفكري المستشري في طبقة ضخمة من المجتمع العربي اليوم، والمجتمع السعودي كما يبدو في السنوات الأخيرة.

هذا ليس دفاعا عن الإلحاد والفكر الإلحادي، ولكنه دفاع عن العقل والتفكير أيما كان، وتعرية لمجموعة غير بسيطة من (المثقفين) و (الكتاب) و (المفكرين) و (الشعراء) الذين يحاولون الوصول إلى الشهرة عبر أقذر الطرق وأقصرها على الإطلاق وأكثرها جدلا في الرأي العام، من باب خالف تعرف.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق